في مستهل سنة 2025، أثار عدم تجديد العقد بين أوكرانيا وروسيا لنقل الغاز جدلًا واسعًا ومخاوف متفاوتة بين الدول الأوروبية، خاصة تلك التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي القادم عبر الأراضي الأوكرانية. هذا الانقطاع يهدد بتأثيرات اقتصادية وسياسية كبيرة، مع اختلاف القدرات بين الدول في التعامل مع الأزمة.
سلوفاكيا والمجر: بين الاعتماد على الغاز الروسي والبحث عن بدائل
سلوفاكيا: التحديات الكبرى
- الاعتماد على روسيا: تعتمد سلوفاكيا على 85% من الغاز القادم من روسيا، مما يجعلها واحدة من أكثر الدول الأوروبية تأثرًا بانقطاع الإمدادات.
- التحديات اللوجستية: عدم وجود سواحل أو بنية تحتية كافية لاستيراد الغاز المسال (LNG) يجعل من الصعب إيجاد بدائل سريعة.
- المفاوضات مع أوكرانيا: تسعى سلوفاكيا إلى إقناع أوكرانيا بالسماح بمرور الغاز الروسي عبر أراضيها، لكن التوترات الجيوسياسية تعقد هذه الجهود.
- التأثير الاقتصادي: قد يؤدي انقطاع الغاز إلى ارتفاع أسعار الطاقة، مما يزيد الضغط على الصناعة والمواطنين، خاصة في فصل الشتاء.
المجر: خط أنابيب “بلقان ستريم” كبديل جزئي
- اعتماد أقل على أوكرانيا: تستفيد المجر من خط أنابيب “بلقان ستريم”، الذي ينقل غاز روسيا عبر البحر الأسود، مما يقلل من اعتمادها على أوكرانيا.
- اتفاقية طويلة الأمد: وقعت المجر اتفاقية مع روسيا لمدة 15 عامًا في 2021، لكن انقطاع الغاز عبر أوكرانيا قد يضطرها للبحث عن مصادر إضافية.
- التحديات المستقبلية: قد تواجه المجر صعوبات في تلبية الطلب المحلي إذا استمرت التوترات مع روسيا وأوكرانيا.
صربيا وبلغاريا: تنويع مصادر الطاقة كحل استراتيجي
صربيا: الاعتماد الكبير على روسيا
- الاعتماد على الغاز الروسي: تستورد صربيا 81% من احتياجاتها من الغاز من روسيا، مما يجعلها عرضة للتأثر بانقطاع الإمدادات.
- خط أنابيب “تاب”: تسعى صربيا لتنويع مصادرها عبر خط أنابيب “تاب”، الذي ينقل الغاز الطبيعي الأذربيجاني إلى أوروبا.
- التعاون الإقليمي: تعزز صربيا روابطها مع دول مثل رومانيا واليونان لاستيراد الغاز المسال عبر محطات التخزين العائمة.
بلغاريا: تقليل الاعتماد على روسيا
- الإستراتيجية الجديدة: تعمل بلغاريا على تقليل اعتمادها على الغاز القادم من روسيا من خلال زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال وتعزيز التعاون مع دول مثل أذربيجان.
- محطة ألكسندروبوليس: بدأت بلغاريا في استخدام محطة تخزين وتحويل الغاز المسال في ألكسندروبوليس، والتي تصل سعتها إلى 5.5 مليارات متر مكعب.
- التحديات الاقتصادية: رغم الجهود، تظل تكلفة الغاز البديل أعلى من الغاز الروسي، مما يزيد الضغط على الاقتصاد البلغاري.
إيطاليا: نموذج ناجح في تقليل الاعتماد على الغاز الروسي
الإستراتيجية الإيطالية
- خفض الاعتماد على روسيا: نجحت إيطاليا في تقليل اعتمادها على الغاز الروسي من 50% إلى 20% خلال أقل من 3 سنوات.
- اتفاقيات مع مورّدين بديلين: وقعت إيطاليا عقودًا طويلة الأجل مع الجزائر، قطر، وأذربيجان لضمان إمدادات مستقرة.
- الاستثمار في الطاقة المتجددة: تعمل إيطاليا على زيادة استثماراتها في الطاقة الشمسية، الرياح، والهيدروجين الأخضر لتعزيز استقلاليتها الطاقية.
التحديات الاقتصادية
- تكلفة الغاز البديل: تظل تكلفة الغاز المستورد أعلى من غاز روسيا، مما يزيد الضغط على الاقتصاد الإيطالي.
- التعاون الأوروبي: تعمل إيطاليا مع دول الاتحاد الأوروبي لتطوير مرافق تخزين الغاز وآليات طوارئ في حالة حدوث أي عطب في الأنابيب.
ألمانيا وفرنسا والنمسا: تقليل الاعتماد على الغاز الروسي
ألمانيا: قيادة التحول الطاقي
- خفض الاعتماد على روسيا: خفضت ألمانيا وارداتها من الغاز الروسي تدريجيًا منذ 2022، ووسعت مصادرها الطاقية عبر الغاز الطبيعي المسال.
- الاستثمار في الطاقة المتجددة: تعمل ألمانيا على زيادة استثماراتها في الطاقة الشمسية والرياح لتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري.
فرنسا: تقليل الاعتماد على الغاز الروسي
- انخفاض الواردات: انخفضت واردات فرنسا من غاز روسيا من 20% إلى 10% من إجمالي الاستهلاك.
- التنويع الطاقي: تعتمد فرنسا على الطاقة النووية كمصدر رئيسي للطاقة، مما يقلل من اعتمادها على الغاز الروسي.
النمسا: التخلص من التبعية للغاز الروسي
- الإستراتيجية الجديدة: تستعد النمسا للتخلص من التبعية للغاز الروسي عبر التعاقد مع موردين بديلين مثل ألمانيا وإيطاليا.
- التحديات الاقتصادية: رغم الجهود، تظل تكلفة الغاز البديل أعلى من الغاز الروسي، مما يزيد الضغط على الاقتصاد النمساوي.
التحليل الشامل: التأثيرات الاقتصادية والسياسية
التأثيرات الاقتصادية
- ارتفاع أسعار الطاقة: قد يؤدي انقطاع الغاز الروسي إلى ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا، مما يزيد الضغط على الصناعة والمواطنين.
- التضخم: قد يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى زيادة التضخم، مما يؤثر على النمو الاقتصادي في أوروبا.
التأثيرات السياسية
- التوترات الجيوسياسية: قد يؤدي انقطاع الغاز الروسي إلى زيادة التوترات بين روسيا وأوروبا، مع تأثيرات على العلاقات الدولية.
- التعاون الأوروبي: قد تدفع الأزمة دول الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز التعاون في مجال الطاقة وتطوير استراتيجيات مشتركة.
الخلاصة: مستقبل الطاقة في أوروبا
تواجه بعض الدول الأوروبية، مثل سلوفاكيا والمجر، تحديات كبيرة بسبب انقطاع الغاز، بينما نجحت دول أخرى مثل إيطاليا وألمانيا في تقليل اعتمادها على الغاز الروسي عبر تنويع مصادر الطاقة. ستستمر أوروبا في مواجهة تحديات اقتصادية وسياسية في السنوات المقبلة، مع ضرورة تعزيز التعاون الإقليمي والاستثمار في الطاقة المتجددة لضمان أمنها الطاقي.